Thursday, November 26, 2020

التميز المؤسسي

على الرغم من ظهور محاولات عديدة لإيجاد بدائل ومرادفات لنماذج التميز المؤسسي، لتطوير الأداء والنتائج المؤسسية، وذلك من باب الرغبة في التجديد والتطوير، أو من باب الرغبة في الإختلاف والتفرد، إلا أن أي من تلك المحاولات لم يماثل ما يحققه تطبيق نماذج التميز المؤسسي من تطوير شامل في الأداء المؤسسي، فما السر في تلك النماذج؟ وما هي الوصفة السرية التي تحتويها تلك النماذج وتضمن لها البقاء وإستمرارية التأثير، وتقيها ما أصاب غيرها من نماذج بالوهن والهرم والشيخوخة المبكرة؟ أتناول في هذا المقال تحليلاً مبسطا ً لبعض عوامل النجاح والإستمرارية لأحد أشهر نماذج التميز المؤسسي وهو نموذج التميز الأوروبي والذي بني عليه معظم نماذج التميز المؤسسي في برامج التميز العربية وعلى رأسهم من حيث الريادة والنضج وعمق التجربة نموذج دبي للأداء الحكومي المتميز.

الشمولية

يتسم نموذج التميز المؤسسي بشموليته لكافة نواحي الأداء المؤسسي، فهو يضع متطلبات تفصيلية تشكل خارطة طريق للتميز في مجالات القيادة، والتخطيط الإستراتيجي، وإدارة الموارد البشرية، وإدارة الشراكة والموارد المادية والتقنية والمعلوماتية، وإدارة العمليات المؤسسية، وهو بذلك يشمل كافة نواحي الأداء التي من شأنها التأثير إيجاباً ( أو سلباً) على نتائج العمل المؤسسي.

فالمؤسسات المتميزة هي مؤسسات لديها قادة يضعون رؤية ورسالة وأهداف مؤسسية ويقدمون القدوة الحسنة لموظفيهم لترسيخ ثقافة التميز وبيئة الإبداع، وهم يساهمون بشكل فعال في وضع وتطبيق أنظمة العمل، ويتواصلون بفعالية مع موظفيهم و يحفزوهم ويمكنوهم، ويلتزمون بتحقيق رضا كافة الفئات المعنية، ويديرون سياسة التغيير في مؤسساتهم.

والمؤسسات المتميزة تبني إستراتيجيتها على الإحتياجات والتوقعات الحالية والمستقبلية لجميع المعنيين، من خلال الإعتماد على معلومات دقيقة تم الحصول عليها من مقاييس الأداء المؤسسي ومن البحوث والدراسات ومن نتائج التعلم المؤسسي وما شابه. كما تحرص تلك المؤسسات المتميزة على إعداد ومراجعة وتحديث الإستراتيجية، و متابعة تنفيذها وتقييم مستوى تحقيق الأهداف من خلال إطار عام لسلسلة العمليات الرئيسة ومؤشرات قياس أداء محددة.  

نجد في المؤسسات المتميزة تخطيط وإدارة للموراد البشرية وتطوير وتوظيف قدراتهم، وضمان تحقيق العدل والمساواة بينهم وتمكينهم والإهتمام بهم والتواصل معهم وتحفيزهم وتقديرهم بما يضمن الإستخدام الأفضل لما لدى الأفراد وفرق العمل من معرفة ومهارات.

كما أن المؤسسات المتميزة تحرص على إدارة كافة مواردها بكفاءة وفعالية بهدف تطوير الأداء والخدمات والنتائج ويشمل تخطيط وإدارة الشراكات الخارجية وإدارة الموارد المتاحة (الموارد المالية والمادية والتقنية والمعلوماتية) بما يدعم تنفيذ الإستراتيجية ويعزز العمليات ويضمن تحقيق الأهداف المؤسسية.

ومن متطلبات التميز المؤسسي أن تقوم المؤسسات بتصميم وإدارة وتحسين العمليات الرئيسية وتبسيط إجراءات العمل لتحقيق الأهداف المؤسسية، وصولاً إلى تقديم خدمات متميزة وتحقيق أداء متميز ذا قيمة مضافة لجميع المعنيين.

كما تتضمن خارطة الطريق التي يرسمها نموذج التميز متطلبات لقياس وتحليل نتائج رضا المتعاملين، ونتائج رضا الموارد البشرية، ونتائج المجتمع، ونتائج الأداء الرئيسة بهدف الإستفادة منها في التعلم المؤسسي والتخطيط الإستراتيجي لتحديد توجهات المؤسسة وأهدافها.

لذا نجد أن متطلبات التميز المؤسسي هي منصة إطلاق لكافة مبادرات تطوير الأداء مثل التخطيط الإستراتيجي وبطاقات الأداء المتوازن، أو إدارة علاقات المتعاملين، أو إدارة المعرفة وغيره من المبادرات.

الترابط والتوازن بين الأداء والنتائج

من المعروف أن هيكل نموذج التميز ينقسم إلى مجموعتين من المعايير الرئيسة، المجموعة الأولى هي "الممكنات" وهي تحدد متطلبات الأداء المؤسسي المتميز والمجموعة الثانية هي " النتائج" وهي تحدد متطلبات النتائج المؤسسية المتميزة، ونجد هنا أن من أهم أسباب نجاح نموذج التميز، إرتباط الممكنات ببعضها البعض من جانب وإرتباطها بالنتائج من خلال علاقة "السبب بالتأثير" من جانب آخر، وهو الأمر الذي يضمن استدامة الأداء المتميزز

وحيث أن الهدف الرئيسي لجودة وتميز الأداء هو تحقيق الرضا الكامل لكافة الفئات المعنية رغم اختلاف احتياجاتهم ومتطلباتهم، يجدر بنا التساؤل؛ هل تستطيع المؤسسة إرضاء كل أو حتى غالبية هؤلاء؟ الإجابة نعم، ولكن هذا يحتاج من المؤسسات رغبة صادقة وعزيمة صلبة وسعي طويل في طريق التميز، مع تحديد الأهمية النسبية لكل فئة من الفئات المعنية، وذلك لخلق التوازن بين المصالح. و هذا ما وضحه المبدأ الأول من مبادئ التميزالأساسية " تحقيق نتائج متوازنة" والذي نص على التالي "المؤسسات المتميزة تحقق رسالتها وتتقدم نحو تحقيق رؤيتها، من خلال التخطيط، وتحقيق مجموعة متوازنة من النتائج، التي تلبي احتياجات كافة الفئات المعنية، قصيرة وطويلة المدى، وتتفوق عليها عند الإمكان".

العمومية

من أهم ما يميز نموذج التميز كونه نموذجا عاما يصلح للتطبيق في كافة أنواع وأشكال المؤسسات مهما إختلفت من حيث الشكل القانوني أوعدد العاملين أو الموازنة أو طبيعة العمل أو الفئات المعنية في القطاع الصناعي والخدمي، الحكومي والخاص على حد السواء. لذا نجد أن قصص النجاح الموثقة تزخر بأمثلة عديدة لتطبيقات ناجحة لنموذج التميز في في البنوك والمؤسسات التعليمية والمستشفيات والمصانع وحتى الوزارات والهيئات والدوائر الحكومية. من وجهة نظر النموذج فإن كل تلك المؤسسات يجب أن يكون لها قيادة وخطة إستراتيجية وإدارة للموارد البشرية والمادية وإدارة للعمليات ونتائج متميزة.   

 

منهجية التقييم والتحسين المستمر

يقترن نموذج التميز المؤسسي بإستخدام أداة ديناميكية متطورة للتقييم هي "منطق رادار" والتي تعتبر بلا شك من أهم أسباب استمرارية نجاح وتأثير نموذج التميز المؤسسي، حيث أن منطق رادار نفسه هو أداة للتطوير والتحسين المستمر. ومن خلال استخدام أداة التقييم هذه فإن المؤسسات المتميزة مطالبة بتطوير منهجيات منطقية منسجمة مع أفضل الممارسات، تراعي إحتياجات كافة الفئات المعنية، ومتكاملة ومترابطة بشكل يضمن تنفيذ الإستراتيجية وسهولة تدفق العمليات المؤسسية. وأن تطبق تلك المنهجيات تطبيقاً شمولياً منتظماً، وأن يتم مراجعة تلك المنهجيات وتحسينها بشكل مستمرمن خلال القياس والإبتكار والتعلم والإبداع بما يغطي كافة نواحي الأداء الرئيسية "الممكنات".

أما في جانب "النتائج" فيبحث "رادار" عن نتائج تتسم بالنزاهة والموضوعية والدقة ،تبين جودة وتميز الأداء من خلال تحقيق المستهدفات بتحسن مستمر(إتجاه إيجابي)، ومقارنة إيجابية مع أفضل الممارسات، وبما يضمن استدامة الأداء المتميز.

في الختام

أعتقد بصدق أن نموذج التميز المؤسسي يشكل إطار عمل قوي يمكن أن يحتوي كافة مبادرات تطوير الأداء المؤسسي ويوفر الإسمنت الذي يجمع بينها في بناء واحد متماسك. كما أن توأمة نموذج التميز المؤسسي مع منطق "رادار" للتقييم يجعل التطوير والتحسين للأداء والنتائج عملا متواصلاً لا نهاية له. 

No comments:

Post a Comment